• المـــــدون الحــــــــر
Flag Counter

هكذا تعامل الحزب الاشتراكي مع السقوط المدوي للموعود بقصر الإليزي

السبت، 10 نوفمبر 2012
محمد بوهريد
يعود كتاب «آل ستراوس كان» لكل من رفائيل باكي وأراين شومان إلى الغوص في أسرار الحياة الخاصة
لإحدى أشهر الزيجات في تاريخ فرنسا. يرجعان إلى الإرهاصات الأولى لميلاد هذا الثنائي. يرصدان كل صغيرة وكبيرة في أولى خطواتهما. يسلطان الضوء على مناطق الظل في حياة مذيعة حسناء واشتراكي كان قاب قوسين من قصر الإليزي. وأخيرا، يكشفان أسرار المغامرات الجنسية للمدير السابق لصندوق النقد الدولي التي دقت المسامير الأخيرة في نعش علاقة آن وسانكلير.
ضاقت الأرض بما رحبت باشتراكيي فرنسا حين تصدرت الفضائح الجنسية لمرشحه المفترض للانتخابات الرئاسية الفرنسية صفحات الصحف العالمية، وأصبحت مواد رئيسية في نشرات أكبر القنوات التلفزيونية. في البداية لاذ الاشتراكيون بالصمت في انتظار دفوعات قياديهم، وبدا معظمهم مشلول الحركة شارد الذهن من هول صدمة رؤية وزير اشتراكي سابق مصفد اليدين محاطا بعناصر أمنية أمريكية تقدوه نحو المحكمة لمتابعته بتهمة ثقيلة: الاغتصاب.
ورغم أن الصدمة كانت قوية، فإن عددا من أصدقاء دومنيك ستراوس كان استطاعوا أن يستجمعوا قواهم ويعلنوا وقوفهم إلى جانب المدير العام القيادي الاشتراكي الواقع وقتها في قبضة الأمن الأمريكي. وبرز من هؤلاء الأصدقاء بشكل خاص اسم برنار هنري ليفي، الذي حرر مقالة دافع فيها بقوة عن براءة صديقه وانتقد فيه بشدة ما أسماه «خرق قرينة البراءة» من قبل القضاء الأمريكي بسبب عدم اتخاذه أي تدابير احتياطية لحماية شخصية بحجم ستراوس كان من عدسات «البابارادزي».
والواقع أن الأمريكيين لم يقدروا التأثير الكبير للصور، التي منحوا المصورين الصحافيين مدة لا تتجاوز 30 ثانية لالتقاطها، على المشهد السياسي الفرنسي، وخاصة شؤون الحزب الاشتراكي الذي كان يعقد آمالا كبيرة على ستراوس كان باعتباره أحد قيادييه البارزين وأشهر الخبراء الاقتصاديين الفرنسيين في السنوات الأخيرة من أجل العودة من جديد إلى قصر الإليزي وقطع الطريق على الرئيس اليميني نيكولا ساركوزي نحو ولاية ثانية على رأس الجمهورية الفرنسية الخامسة.

الصدمة
سيتذكر القادة الاشتراكيون طويلا تفاصيل الأجواء التي خيمت على المقر العام لحزبهم يوم 17 ماي. يومها توافد زعماء الحزب الاشتراكي، وفي طليعتهم مارتين أوبري، الكاتبة الأولى للحزب، على مقر الحزب للمشاركة في اجتماع طارئ للمكتب الوطني لهذه الهيئة السياسية لمناقشة قضية واحدة: تفاعلات الفضائح الجنسية لستراوس كان.
كان لافتا تركيز الصحافة الفرنسية في تغطيتها لذلك الاجتماع على لباس الزعماء الاشتراكيين المدعوين إليه: غلب اللون الأسود على ألبستهم، بما في ذلك النساء. فهل كان ذلك مجرد صدفة؟ ربما، غير أن الإعلام الفرنسي اعتبر ارتداء السواد في يوم مناقشة قضية ستراوس كان بمثابة إعلان حداد على السقطة المدوية لقيادي اشتراكي عقدت عليه آمالا كبيرة لإحياء أمجاد الاشتراكيين في فرنسا.
التقط الصحافيون، الذين تولوا تغطية ذلك الاجتماع الحاسم، لقطة معبرة لشخصية قوية في الحزب الاشتراكي. يتعلق الأمر بكريستوف بورجيل الذي أذرف الدموع حزنا على «سقطة» ستراوس كان. بدا قادة آخرون يومها وكأنهم يجرون ذيول الخيبة. كانت هذه صورة القيادي البارز، المتميز بقامته الفارعة، جون ماري لوغوين. في الآن ذاته، اختار كامباديليس، أكثر القادة الاشتراكيين قربا من ستراوس كان، الصمت ولم ينبس ببنة شفة، رغم كل المحاولات التي قام بها الصحافيون من أجل انتزاع تعليق منه على «فضائح ستراوس كان».
كانت الحسرة السمة الغالبة على الكلمة التي ألقتها مارتين أوبري في افتتاح ذلك الاجتماع. استعارت أوبري العبارة الشهيرة التي وصف بها القيادي الاشتراكي السابق والوزير الأول الفرنسي سابقا، ليونيل جوسبان، خسارته المفاجئة في انتخابات 21 أبريل 2002 لوصف تداعيات قضية ستراوس كان على حزبها. زعيمة الاشتراكيين شبهت ما يحدث وقتها بـ»ضربة رعد».
بعد الكلمة الافتتاحية، وجدت أوبري صعوبات كبيرة في تشجيع قادة الاشتراكيين على أخذ زمام المبادرة والحديث بكل حرية عن القضية المدرجة في جدول أعمال الاجتماع. وحدها أوبري امتلكت الشجاعة لتتحدث عن مؤامرة تحاك ضد حزبها. وما لم يكن يعلمه جلساؤها آنذاك أنها كانت على اتصال مستمر بصديقتها آن سانكلير، زوجة ستراوس كان، من أجل دعم الأسرة في محنتها واستقاء آخر مستجدات القضية بعيدا عن الأنباء التي تتناقلها وسائل الإعلام.
صدر عن ذلك الاجتماع بلاغ تم تعميمه على وسائل الإعلام وصف على نحو مفاجئ قضية ستراوس كان بـ»الفضيحة». بعد ذلك بادر أحد النواب البرلمانيين الاشتراكيين بتحرير رسالة مفتوحة إلى ستراوس، دعاه فيها إلى علاج نفسه من الأمراض التي تعتريه. وكانت تلك الرسالة الوثيقة الاشتراكية الأولى التي اعترفت بتورط ستراوس كان في مغامرات، وليس فضائح، في كل من فرنسا وبلجيكا.

هولاند المنتظر
بعد نشر تلك الرسالة/الاعتراف، توجه الاشتراكيون الفرنسيون نحو طي صفحة دومنيك ستراوس كان، بعد أن فطنوا إلى استحالة تقديم هذا الاقتصادي البارز في صورة المنقذ الموعود لفرنسا من شبح الأزمة التي تهدد اقتصادها وتوشك أن تمتد إلى باقي القطاعات.
بالموازاة مع البحث عن بديل ذي مصداقية لتعويض ستراوس كان شرط توفره على المؤهلات الكافية لينسي الفرنسيين الفضائح التي كانت توشك أن تأتي على حظوظ الاشتراكيين في العودة إلى الإليزي، حرص القائمون على تدبير شؤون الحزب، وفي مقدمتهم كاتبته الأولى، مارتين أوبري، على الانحناء لعاصمة «ستراوس كان» والعمل على تفادي الحديث عنها في جميع خرجاتهم الإعلامية لإيصال رسالة إلى الشعب الفرنسي، وخاصة الناخبين، مفادها: لا جدوى من تحميل الحزب مسؤولية مغامرات شخصية لأحد أعضائه لو كان هذا العضو قياديا بحجم ستراوس كان.
ولهذه الأسباب، سارع الإعلام التابع للاشتراكيين والمنابر المعروفة بقربها من الحزب الاشتراكي إلى نعي المسيرة السياسية لستراوس كان. اختارت هذه المنابر الصحافية التطرق إلى قضية ستراوس كان تحت عنوان وحيد: «ستراوس كان انتهى».

محنة نيويورك
حين كان القادة الاشتراكيون منغمسين في مناقشة القضية التي تهدد مكانتهم في الساحة السياسية الفرنسية، طارت آن سانكلير إلى مدينة نيويورك على وجه السرعة لدعم زوجها في محنته أمام القضاء الأمريكي.
في تلك الأثناء أيضا استطاع أحد الصحافيين أن ينتزع موعدا من الرئيس الفرنسي وقتها نيكولا ساركوزي من أجل حوار مطول حول مستجدات السياسة في فرنسا، ولم يكن غريبا أن تكون قضية ستراوس كان محورا رئيسيا في ذلك الاستجواب الصحافي.
في نيويورك لزم سانكلير، أيقونة التلفزيون الفرنسي، أن تدافع على أكثر من صعيد لإنقاذ ما تبقى من ماء وجه دومنيك ستراوس كان، رغم أن الفضائح المتتالية قضت على مسيرته السياسية. ورغم أنها ألفت، باعتبارها صحافية، ترويج الأخبار والجري وراء تحقيق السبق في تناقلها، فإنها أدركت بتجربتها أن التزام الصمت أفضل لها ولزوجها. ولذلك صدت كل المحاولات التي بذلها الصحافيون لإخراجها من صمتها. كانت ترد عليهم بالعبارة التالية: «متأكدة من براءة زوجي والكلمة الفصل للقضاء».
بعد أيام قليلة من تفجر الفضائح الجنسية لستراوس كان وخروج متهمته بالاغتصاب عن صمتها، بلوقبولها الكشف عن صورتها، أيقنت سانكلير، ومن ورائها الاشتراكيون، أن ستراوس كان انتهى حقيقة وليس دعائيا فقط. أدركت سانكلير أيضا المحنة التي تنتظرها وأسرتها أمام قضاء أمريكي خبرته طيلة سنوات عديدة من مقامها في بلاد العم سام من أجل تغطية شؤون السياسة الأمريكية لصالح وسائل إعلام فرنسية وأوربية.
طيلة محنتها في نيويورك حرصت نجمة الجماهير آن سانكلير على التواري ما أمكنها ذلك. أوصدت أبواب إقامتها برفقة زوجها المتهم في وجه جميع معارفها عدا الشخصيات التي صنفتها في خانة «الأصدقاء الحقيقيين». استنجدت سانكلير كذلك بخبرتها في المجال الإعلامي من أجل مواجهة الحرب  الضروس التي كان يشنها الإعلام الأمريكي، وكذلك الفرنسي، ولا سيما المنابر الإعلامية المقربة من الأحزاب اليمينية. وعلى هذا الأساس، بدا واضحا أن دومنيك ستراوس كان وآن سانكلير كانا حريصين أشد ما يكون الحرص على تسريب أخبار أسرتها وجديد قضية ستراوس كان لصحافيين تم اختيارهم بعناية فائقة. وهكذا، ظهر دومنيك ستراوس كان على شاشة القناة الفرنسية الأولى، لأول مرة، منذ تحريك المتابعة القضائية في حقه. اعترف القيادي الاشتراكي باقتراف «خطأ أخلاقي»، واعتذر عما ألحقه من أضرار بزوجته. في الحقيقة، كانت تلك نهايته. بدا يومها وكأنه ينعي مسيرته السياسية، وينعي شيئا آخر أكثر أهمية: «سمعته».
بعد ثلاثة أسابيع من المعاناة في نيويورك والصراع في ردهات المحكمة وصد هجومات الإعلام، ولا سيما الأمريكي والفرنسي، أعلن القضاء الأمريكي أخيرا إسقاطه التهم عن دومنيك ستراوس كان. جاء هذا القرار بعيد أيام قليلة من إقدام الاقتصادي الفرنسي البارز على تقديم استقالته من منصب المدير العام لصندوق النقد الدولي.
ورغم أن إسقاط التهم عن ستراوس كان بدا للوهلة الأولى خطوة جبارة نحو الخروج من دوامة المشاكل التي نسفت حياته، فإن نهاية متاعبه مع القضاء الأمريكي كانت كذلك بداية نهاية ارتباطه بآن سانكلير بعد مرور 21 سنة على اقترانهما.

الحاضر الغائب
قضت الفضائح الجنسية على المسيرة السياسية لدومنيك ستراوس كان. أسقطته من أعلى هرم السلطة في صندوق النقد الدولي، المؤسسة المالية الدولية ذات اليد الطولى في مختلف بقاع العالم. أجهضت حلمه في منافسة اليميني نيكولا ساركوزي على رئاسة الجمهورية الفرنسية الخامسة، وأقبرت طموحه بقيادة الاشتراكيين للعودة من جديد إلى قصر الإليزي بعد غياب طويل. دق المسمار الأخير في نعش زواجه من نجمة الإعلام السمعي البصري، آن سانكلير، التي غيرت حياته رأسا على عقب نحو الأفضل طبعا، منذ اقترانه بها رسميا قبل حوالي 21 سنة.
لم يتجرع الكثير من المقربين من المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي الطريقة المثيرة التي سقط بها ومنيك ستراوس كان من أعلى مراتب الشهرة، خصوصا في فرنسا، التي كان التوجه العام يسير نحو منحه الثقة لقيادة فرنسا نحو الخروج بسلام من منطقة العواصف التي باتت تهدد العديد من الاقتصاديات الأوربية منذ سنة 2008.
انتقل ستراوس كان من شخصية بارزة في عوالم السياسة والاقتصاد والفكر والمال والأعمال إلى علامة رائجة في سوق الفضائح الجنسية. سقوط مدوٍّ جعل منه الحاضر الغائب عن الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي عرفتها فرنسا في شهري ماي ويونيو الماضيين. فقد كانت غبطة الاشتراكيين واضحة بنجاحهم في ملء الفراغ الذي خلفه خروج ستراوس كان من دائرة التنافس على رئاسة الجمهورية الفرنسية. غبطة انقلبت سعادة كبرى بعد أن تمكن بديل ستراوس كان، وهو الرئيس الفرنسي الحالي، فرانسوا هولاند، من سحب البساط من تحت أقدام الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي، محققا بذلك الأحلام التي كان الاشتراكيون يتوقعون أن يكون خبيرهم الاقتصادي قائد صندوق النقد الدولي محققها على أرض الواقع.
وإذا كان غياب دومنيك ستراوس كان عن الحملة الانتخابية لمرشح الحزب الاشتراكي في الاستحقاقات الرئاسية الأخيرة بديهيا ومفهوما على أساس حرص القادة الاشتراكيين على حماية مرشحهم هولاند من التأثر سلبا بظهور متهم بفضائح جنسية إلى جانبه في حملته الانتخابية، فإن غيابه عن الاحتفالات التي أعقبت فوز هولاند بثقة الفرنسية لتدبير شؤون بلادهم في الخمس سنوات القادمة فاجأ الكثير من المتتعبين، الذين كانوا يتوقعون أن يستدعى المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي إلى ساحة «لاباستيي» للمشاركة إلى جانب أبرز القادة الاشتراكيين بانتخاب هولاند رئيسا للجمهورية الفرنسية الخامسة. وقد اعتبر المتتبعون استبعاد ستراوس كان من تلك الاحتفالات ضربة قاصمة لآماله بالعودة قريبا إلى واجهة الشأن السياسي الفرنسي. ورغم كل هذه الخسائر، فإن دومنيك ستراوس كان يبدو محظوظا مقارنة بالرجل الذي كان العقل المدبر لكل مغامراته الجنسية في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. فقد أدين فابريس بازكوفسكي بثلاثة أشهر حبسا نافذا. وبعد إطلاق سراحه، استأنف نشاطه على رأس الشركة المتخصصة في المواد شبه الطبية.
ولا تزال تقارير إعلامية تتوقع أن تسقط شخصيات أخرى في شراك القضاء على خلفية مشاركتها في تنظيم السهرات الخاصة للمدير العام السابق لصندوق النقد الدولي. وقد رد دومنيك ستراوس كان على هذه التحذيرات بالمشاركة في أنشطة أكاديمية وترويجية في فرنسا وخارجها، رغم أنه يفضل أن يقضي جل وقته في شقته الباريسية. ولا يزال يحتفظ في مكتبه الخاص في هذه الشقة بصورة يظهر فيها إلى جانب الرئيس الأمريكي باراك أوباما. تخلد هذه الصورة لحظات ابتسم فيها ستراوس كان حتى ظهرت أضراسه.



العودة إلى الواجهة في فيلم سينمائي

يعود دومنيك ستراوس كان، المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي والقيادي البارز في الحزب الاشتراكي الفرنسي، إلى الواجهة عبر شريط سينمائي يتناول قصة مغامراته الجنسية.
وتأكد أن الممثل الفرنسي جيرار ديبارديو سيلعب دور دومنيك ستراوس كان، في الوقت الذي ستتقمص فيه نجمة الفن السابع الفرنسي، إليزابيت أدجاني، دور آن سانكلير، طليقة المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي.
ونقل عن ديبارديو قوله في تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام أوربية إنه قبل بتقمص شخصية وزير المالية الفرنسية في تسعينيات القرن الماضي لما يمقته في شخصية ستراوس كان من تعال وتباه.
ولفت النجم الفرنسي الأنظار إليه حين أرجع قبوله عرض أداء البطولة في فيلم «ستراوس كان»، علما بأنه لم يعلن بعد عن عنوانه النهائي، إلى عدم حبه للقيادي الاشتراكي المطاح به بمعول مغامراته الجنسية.
ورغم إسناد دور البطولة إلى وجهين سينمائيين فرنسيين معروفين، ديبارديو وأدجاني، فإن الإخراج سيكون بلمسة امريكية تماما مثلما احتضنت الأراضي الأمريكية السقوط المدوي للمدير العام السابق لصندوق النقد الدولي. إذ سيخرج الفيلم المنتظر بشدة في القاعات السينمائية العالمية، ولا سيما الفرنسية، المخرج الأمريكي آبل فيريرا، الذي أعلن أن مشاهد الفيلم ستصور بالأساس في نيويورك وواشنطن، بالإضافة باريس.



0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
المـــــدون الحــــــــر © 2012| تعريب وتطوير : سما بلوجر