• المـــــدون الحــــــــر
Flag Counter

0 لماذا تحارب الفلسفة؟ / محمد بنعزيز

الأربعاء، 26 يونيو 2013

يجري الجدل في مصر حاليا حول تقليص تدريس مادة الفلسفة في الثانوي. في المغرب بدأ تقليص دروس الفلسفة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي مع الحسن الثاني بالتزامن مع الاحتجاجات ضد النتائج الاجتماعية لسياسيات التقويم الهيكلي التي سماها المغاربة "شي يأكل شي يشوف" (البعض يأكل والبعض الآخر يكتفي بالنظر للصحون).
حينها قتل العشرات في احتجاجات يونيو 1981 بمدينة الدار البيضاء. سماهم وزير الداخلية إدريس البصري في البرلمان "شهداء الكوميرا" (الكوميرا خبز مستطيل غير مستدير).
ها قد مرت ثلاثون سنة على الحدث التاريخي. لم يحل المغرب مشكل الخبز وما زال يستورد القمح. وما زال الحنين يشد الطلبة للنشيد الذي خلد الحدث الدموي:
اشهد يا حزيران
في يومك العشرين
وطني أنار الدرب
والنصر مشتعل
ذي يقظة الفلاح
ذي صرخة العامل
ذي ثورة الجمهور
مواكب الابطال
مدينة البيضاء
يا درب من قتلوا
أبناؤك الفقراء
اليوم قد وصلوا
في تلك الأجواء القاسية بين 1981 و1984 خطب الملك الحسن الثاني بانفعال شديد مرارا وقد هدد الأساتذة والأوباش. كان السياق التاريخي ثوريا وقد اعتبر درس الفسلفة مدخلا لاعتناق الشباب المتمدرس للفكر الاشتراكي لذلك تم تقليص حصص درس الفلسفة في الثانوي كما جرى حذفها بالنسبة لبعض المستويات الدراسية. وقد تزامن التقليص مع منع مجلات ثقافية مثل الثقافة الجديدة، جسور والبديل. وهجمة بوليسية على النوادي السينمائية واعتقال عدد من ناشطيها سنة 1985.
في تلك الفترة، كان كتاب الفلسفة معلمة ثقافية. كان الكتاب قويا وغنيا بنصوص مرجعية في الفلسفة. كتاب وضعه كل من الدكتور محمد عابد الجابري والأستاذ أحمد السطاتي والأستاذ مصطفى العمري .وقد كان الجابري مثقفا اشتراكيا من قادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وهو المعارضة الرئيسية للحكم في المغرب طيلة الربع الأخير من القرن العشرين. وقد لعب ذلك الكتاب دورا كبيرا في تشكيل وعي جيل بكامله. وأنا واحد من درسوا في ذلك الكتاب. وقد سبق لعبد الله العروي أن ندد بوضعية الفلسفة في النظام الجامعي المغربي. ووصف منهج ذلك الكتاب منتقدا مؤلفيه منهجهم بالقول "استولت على تدريس الفلسفة العامة جماعة من أساتذة الثانوي زاوجت بين الادلوجة والسياسة على النمط الشرقي المنحط" خواطر الصباح ج 3 ص 224.
لماذا تحارب الفلسفة؟
تجري محاربة الفلسفة لأنها تشجع الفضول المعرفي وحب الإطلاع وطرح الأسئلة، الحقيقة أن الفلسفة مفيدة. فهي تجعل الفلسفة الفرد يرى العالم من زوايا مختلفة، الفلسفة هي السؤال عن الذات عن الموضوع، سؤال لماذا وكيف... وهذه ذهنية خطرة بالنسبة لمجتمع محافظ يعتبر السؤال مسيئا ووقاحة. مجتمع يفضل الإجماع على المناقشات. هنا ينظر للفلسفة بأنها مصدر شر. ويستدل المعترض على التفلسف بقول كارل ماركس "الدين أفيون الشعوب" وبأنه قديما قيل "من تمنطق تزندق".
لحماية المغرب من تكاثر الزنادقة، فكل تلميذ مغربي يدرس 884 حصة تربية إسلامية من الإبتدائي إلى البكالوريا، في حين لا يدرس إلا 714 حصة من علوم الحياة والأرض و210 ساعة من مادة التاريخ و209 جغرافيا خلال 12 سنة. وأقل من ذلك بكثير في مادة الفلسفة. حصة الإمام مالك رضي الله عنه هي أربعة أضعاف حصة ابن خلدون في المقرر التعليمي المغربي. للمزيد يوجد سلك تعليم عمومي ديني إسمه "التعليم الأصيل" يدرس الفقه أساسا، وقد بذل الحسن الثاني جهودا كبيرة لكي لا ينقرض هذا النوع من التعليم بأن سهل التحاق طلبته بالجامعات. وهناك تعليم عتيق خصوصي. طبعا يخضع التعليم الخصوصي للمراقبة، لكن القانون المنظم للمجال يقول "لا تُطبق أحكام هذا القانون على الكتاتيب القرآنية ومدارس التعليم العتيق". زد على ذلك وجود أربعين ألف مسجد في المغرب. زد على ذلك أنه حتى في مقرر اللغة العربية بالثانوي، يوجد نص مناظرة حول قول إخوان الصفا بالتوفيق بين الشريعة والفلسفة.
تجري المناظرة بين السجستاني والبخاري أبو العباس. سئل الأول عن رايه في قول إخوان الصفا فقال إنهم "تعبوا وما أغنوا، ونصبوا وما وجدوا، وحاموا وما وردوا..." النص مأخوذ من كتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي (الجزء الثاني ص 5-22). وفيه ذم لإخوان الصفا وخلل في توزيع الكلام. ففي النص 44 سطرا لا يتحدث فيها البخاري المعجب بإخوان الصفا إلا في ثمانية أسطر. والباقي لعدو الفلسفة الذي يختم بالتأكيد بأن النبي مبعوث والفيلسوف مبعوث إليه. والدين كمال إلاهي والدين كمال إلاهي.
هذا التقسيم يوجه التلاميذ إلى موقف واحد لأن الحوار غير متوازن. خاصة وأن العالم ينتصر على المتفلسف. وهكذا لن يحصل الطالب المغربي على ما يسميه العروي "الانعتاق من بداهة التراث". أي التحرر من هيمنة الفقيه على المفكر. للإشارة توجد في المغرب مؤسسة مهمة اسمها: المجلس العلمي الأعلى. من يسمع مجلس علمي يظن أنه مجلس علوم نووية. والسبب في هذا الخلط هو أن الفقهاء احتكروا لأنفسهم صفة العلماء.
المفارقة في المغرب، أنه بعد تفجيرات 16 ماي 2003 الإرهابية تمت العودة لتدريس الفلسفة بالسنة الأولى ثانوي في سبتمبر 2003كما كان الأمر قبل الثمانينات.
حلل وناقش.
benaziz12@gmail.com
تابع القراءة

0 وطن في غرفة الانتظار

تذكرة الرجوع ، شبابه يفترش عتبات الغضب ، أغلبيته تنتظر معجزة ، معارضته انسحبت فجأة ، دستوره معلق في انتظار التنزيل ، وشعبه يغزل الفراغ بخيوط الوهم على رصيف الانتظار .. 
 
شعب يشبه بطلي المسرحية العبثية " في انتظار غودو"  للكاتب الإيرلاندي "صموئيل بيكيت" .. البطلان المشردان اللذان يمضيان الوقت في انتظار "غودو" بدون جدوى تحت شجرة جرداء ..حيث الأمل المنقذ لا ملامح له ولا معنى ولا وجود..و حيث لاأحد يجيء، ولاشيء يحدث ، وحيث يغدو الانتظار عبثا حقيقيا ..وحيث العبرة ليست في وصول "غودو" بل في مواصلة الانتظار..
سنواصل الانتظار ..
 
فلاشيء نخسره ولاشيء نربحه، أصبحنا شعبا متطرفا في فلسفة الإنتظار، الأمس واليوم سيان،والمستمر كالمنسحب، واليمين كاليسار، تشابهت الشخوص والأمكنة ، و توقف الزمن لما اكتفينا بنصف حراك وقبلنا نصف ديمقراطية وأجلنا الحلم أعواما أخرى وفضلنا ذل الانتظار..
 
سئمنا الإنتظار..  
لقد مر شباط وعاصفته، ومر شهر آخر ، ومر المهرجان ، ومرالربيع كئيبا، وفاحت روائح خروقات حقوق الإنسان من السجون ، وأضفنا للائحة معتقلا آخر ، ولا زلنا معتقلين في زنزانة الانتظار .. نتسلى بالعفاريت ، نفتعل الخلافات ،نهدد بالانسحابات ، نتواعد بالحقائب، نتبادل السب ، و نشاهد النشرة  ألف مرة ،نقلب صفحات الجرائد ، نترقب خبرا ، فلا نلقى إلا الصمت الرهيب في صخب الانتظار ..

 
لا نخشى الانتظار يقول صدى الصمت .. 
 
لدينا ما يكفي من الشعب ومن الزمن.. وما يكفينا من العصي والفتاوي والمادحين والخطب ..و ما يقينا من حساسية الربيع من أحزاب وزوايا ومهرجانات وأعياد.. لدينا ما يفي بالغرض من معارك إديولوجية لقتل الضجرولإعادة ترتيب فوضى الإنتظار..
 
لا تنزعجوا من الإنتظار ..
فلا تأثير له على استقرارنا المالي ولا على ثروتنا .. شركاتنا الكبرى ضاعفت أرباحها، والمناجم تخرج الفضة كل يوم ،  والسكان يلتحفون الشمس ، الريح تهب ، ومركزنا العالمي في نادي الأثرياء لا زال متقدما، والأزمة بعيدة عنا ، والشعب صبور ومستمتع جدا بالوقوف في طابور الإنتظار..
سيطول الإنتظار ؟..
 
*ليس ثمة شيء يمكن عمله " يعلق  "إستراغون " بطل   مسرحية " في انتظار غودو"  وهو يواجه مأزق نزع حذاءه ،نفس العبارة يكررها خلفه صديقه "فلاديمير " وهو يسقط دلالتها على مآزق أخرى في الحياة..  "ليس ثمة شيء يمكن عمله " هي اللازمة التي يرددها أبطال المسرحية كتعبير عن اليأس واللاجدوى وموت التفكير .. مثلنا تماما ،فليس ثمة شيء يمكن عمله  سوى الإنتظار،و الترحم على التنزيل وطلب التسليم من عفاريت يضعون الوطن على لائحة الإنتظار..
 
من ينتظر من؟ يقول الشاعر العراقي أديب كمال الدين :
 
مَن ينتظر مَن؟
الخيبةُ تنتظرُ المفاجأة
أم المفاجأة تنتظرُ اللاجدوى؟
يا لهذا الإنتظار..
 
فاطمة الافريقي
تابع القراءة

0 العــــــلـــــمـــــــــــانـــــيــة هـــي الحــــــل

"إنه ليس صراعا بين المسلمين وغير المسلمين، بل هو صراع بين العلمانيين ومن يريدون إدماج الدين في كل تفاصيل الحياة". هكذا تحدث ذلك الصديق المؤمن بالقيم الإنسانية بمفهومها الواسع.
قرأت رسالته أكثر من مرة. النقاش الدائر حاليا حول الحريات الفردية والحرية الجنسية وحرية المعتقد يعطي فعلا الانطباع بأن هناك صراعا بين "شرذمة من الملحدين الكفار الزنادقة وأعداء الإسلام"، وبين مسلمين مؤمنين هدفهم الحفاظ على الأخلاق الحميدة.
الأمر ليس بهذه السهولة. لا أؤمن بالأبيض والأسود لأني أعتقد أنه في جميع شؤون الحياة، في السياسة كما في الحب وفي المعرفة، هناك دائما أطياف كثيرة من الرمادي المتعدد المستويات. ليس هناك كافر ومؤمن. هناك قناعات وممارسات كثيرة بين الاثنين…
لكني اليوم، أكثر من أي يوم آخر، متأكدة أن العلمانية هي الحل. فصل الدين عن السياسة وعن الحياة العمومية. هذا هو الحل الحقيقي لتجاوز كل هذا الكم الهائل من النفاق ومن الكذب على الذات ومن الرغبة في خنق حرية الآخر. النتيجة اليوم أن فئة عريضة من المجتمع تفضل المفاوضة مع الدين للحفاظ على حد أدنى من راحة الضمير، وعلى صورة "محترمة" أمام الآخر.
كل هؤلاء الذين رفعوا سيوفهم في وجه مختار الغزيوي، كم منهم يستطيع أن يؤكد اليوم (بدون رياء) بأنه قط لم يمارس الجنس خارج مؤسسة الزواج؟ إن كان الحفاظ على تعاليم الإسلام ما يهمهم، فالجواب يقتضي التأكيد بالإجماع، وبدون أي هامش للخطأ. هل ما يهم في النهاية، هو فعلا الحرص على تطبيق تعاليم الدين أم الحفاظ على "شرف" الأخت… وعبر كل هذا العويل والتهويل، الحفاظ على بعض من راحة الضمير وعلى صورة جميلة أمام الآخر؟
لنتأمل أيضا كل هؤلاء الذين ينقطعون عن شرب المواد الكحولية أربعين يوما قبل رمضان. من أين أتوا بهذه الفتوى؟ سألت أحدهم فأجابني بأن السبب هو كون الكحول يبقى عالقا في الدم لمدة أربعين يوما بعد استهلاكه، لذلك وجب الانقطاع عن استهلاك المواد الكحولية لمدة أربعين يوما قبل شهر رمضان. الشخص أضاف أن الأمر تم إثباته علميا. لا أريد هنا أن أدخل في نقاش تحريم الخمر من عدمه، لكني بالمقابل أهتم بفهم هذه "التسهيلات" التي يمنحها الأفراد لأنفسهم. أولا، وبلغة العلم التي استعملها صاحبنا، فالأمر غير صحيح. المواد الكحولية تتبخر من دم المستهلك بضع ساعات بعد استهلاكها. وإلا، فلنتخيل أن شخصا استهلك بعض النبيذ أو البيرة، وأنه، عشرة أيام بعد ذلك، يتعرض لاختبار نسبة الكحول في الدم من طرف شرطي مرور، في المغرب أو في أي بلد في العالم، ليكتشف الشرطي بأن نسبة الكحول في دمه ما تزال مرتفعة. هل يعني هذا أن من يستهلكون المواد الكحولية، لا يحق لهم السياقة لمدة أربعين يوما؟ الأمر يبدو غير منطقي… نحن هنا ما زلنا نتحدث بلغة العلم والقانون. لنذهب الآن إلى لغة الدين. هل التوقف عن شرب المواد الكحولية أربعين يوما قبل حلول رمضان، يعني في النهاية أن استهلاكها خلال باقي أيام السنة حلال وممكن ووارد؟ أفضل أن أبقي السؤال هنا مفتوحا… 
المشكلة أن كل هذه النقاشات أصبحت تختزل في: "هل أنت مسلم أم غير مسلم؟"، "هل أنت ضد الإسلام أم معه؟". أتذكر هنا مشهدا تلفزيونيا نقل إلينا نضالات الشعب المصري. في ساحة التحرير، كان أحدهم يحمل راية المملكة السعودية. بادرته فتاة مصرية بالقول بأن تلك ليست راية الإسلام بل راية بلد آخر، وبأنه يتوجب عليه رفع راية مصر. باختزال شديد أجابها الرجل: "هل أنت مسلمة أم لا؟". لدي أحيانا الانطباع بأن هذه العبارة أصبحت حجة من لا حجة له.
هو إذن، بالفعل، ليس صراعا بين من يريدون تطبيق الإسلام وبين من يرفضونه رفضا. هو ليس صراعا بين المؤمنين وبين الكفار. هو صراع حقيقي بين من يريدون فرض تطبيق الدين في كل تفاصيل الحياة (على الأقل بشكل رسمي وعلى مستوى الخطابات، لأن الواقع شيء آخر)، وبين من يعتبرون بأن الممارسة الدينية كيفما كان شكلها هي حق إنساني محض… لكنها يجب أن تنحصر في الحياة الخاصة. لا يمكن أن نفرض الإيمان على أي شخص. وحده القانون يجب أن ينظم حياة الأفراد، لأن القانون يتغير ويتحول بتحول المجتمعات. لأنه من صنع البشر. لأنه قابل للتطور. بالطبع، وكما يجب أن يضمن هذا القانون حق الأفراد في عدم ممارسة شرائعهم الدينية وفي التحكم في اختياراتهم العقائدية؛ يجب أيضا أن يكفل لكل الأفراد، أغلبية وأقلية، حق ممارسة شعائرهم الدينية بأمان.
إنه على الأقل حل سيجعل الأفراد مسؤولين فعلا عن اختياراتهم وسلوكياتهم وممارساتهم وقناعاتهم. 
تم نشر هذا المقال في جريدة الصباح يوم الخميس 12 يوليوز 20120
سناء العاجي
تابع القراءة
 
المـــــدون الحــــــــر © 2012| تعريب وتطوير : سما بلوجر