• المـــــدون الحــــــــر
Flag Counter

نماذج في طور البروز لتعليم حقوق الإنسان

الجمعة، 29 أغسطس 2014

بقلم فيليسا تيبيتس


يبحث هذا المقال المقتبس الذي أعدته فيليسا تيبيتس، مديرة جمعية تعليم حقوق الإنسان، لمجلة انترناشيونال ريفيو أوف اديوكيشن (العدد الخاص بتعليم حقوق الإنسان لعام 2002) السبل الممكن اتباعها لتعزيز فعالية تعليم حقوق الإنسان. تعرض كاتبة المقال ثلاثة مناهج متبعة لتعليم حقوق الإنسان هي: نموذج القيم والوعي، نموذج المحاسبة على الأعمال، ونموذج التحول الاجتماعي. يجري تحليل كل من هذه النماذج وفقاً للمجموعات التي يتوجّه إليها، والأهداف التي يتوخاها للمتعلمين وما يرمي إلى تحقيقه من تغيير اجتماعي. تختتم تيبيتس مقالها بعرض سبل تتيح المزيد من تطوير هذا الحقل، وجعله أكثر مهنية وتميّزاً. (الصورة تقدمة من الكاتبة) 
في الاثنتي عشرة سنة الماضية أخذ تعبير "تعليم حقوق الإنسان" يتسلل إلى لغة وزارات التربية، والمؤسسات التعليمية التي لا تتوخى الربح، ومنظمات حقوق الإنسان والمدرسين - هذا إذا لم نذكر الوكالات التابعة لعدد من الحكومات مثل الأمم المتحدة والوكالات الإقليمية مثل مجلس أوروبا، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومنظمة الدول الأميركية، وجمعية بلدان جنوب شرق آسيا.
تعرّف نانسي فلاورز تعبير تعليم حقوق الإنسان، في كتاب تعليم حقوق الإنسان، بأنه يعني "كل سبل التعلّم التي تؤدي إلى تطوير معرفة ومهارات وقيم حقوق الإنسان". يتناول تعليم حقوق الإنسان تقدير المتعلّم وفهمه لهذه المبادئ التي يشكل عدم مراعاتها "مشكلة" للمجتمع المعني. على مستوى البلدان يمكننا ملاحظة وجود نهوج مختلفة جداً لاستخدام تعليم حقوق الإنسان في معالجة تحديات شائعة في مجالي حقوق الإنسان والتنمية. ففي البلدان النامية، مثلاً، غالباً ما يتم ربط تعليم حقوق الإنسان بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وحقوق المرأة وفي البلدان التي كانت تخضع سابقاً للحكم التوتاليتاري أو السلطوي، يكون تعليم حقوق الإنسان مرتبطاً غالب الأحيان بتطوير المجتمع المدني والبنى التحتية المتعلقة بسيادة حكم القانون وحماية حقوق الأفراد والأقليات. أما في البلدان الأقدم عهداً بالديمقراطية، فغالباً ما يتم ربط هذا الأمر بهيكلية السلطة في البلد إنما يتم توجيهه باتجاه الإصلاح في بعض المجالات مثل مجال إصلاح القانون الجزائي، والحقوق الاقتصادية وقضايا اللاجئين. ويبدو أن تعليم حقوق الإنسان يلعب دوراً خاصاً في المجتمعات في المرحلة التي تعقب النزاعات.
هذه الأمثلة تركّز على مشاكل وقضايا حقوق الإنسان على مستوى المجتمع. يتناول تعليم حقوق الإنسان الجمع بين النظر إلى الداخل والنظر إلى الخارج. ويركّز تعلّم حقوق الإنسان بالضرورة على الفرد - أي اكتساب المعرفة، والقيم والمهارات التي تتعلق بتطبيق نظام قيَم حقوق الإنسان في علاقة الشخص مع أفراد عائلته ومجتمعه. تتحدث نانسي فلاورز وسواها، في كتاب تعليم حقوق الإنسان، عن بعض هذه المهارات الإنسانية التي تؤدي إلى إدراك تحيّز الشخص ضد أفراد في مجتمعه، وتقبّل الفوارق الموجودة بين أفراد ذلك المجتمع، وتحمّل مسؤولية الدفاع عن حقوق الآخرين، والتوسط في حل النزاعات والعمل على حلّها. ومع هذا، ينبغي على العاملين في وضع وتنظيم برامج تعليم حقوق الإنسان أن يأخذوا في الحسبان المضامين الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية في عملهم، وكذلك التأثير الذي يمكن لمثل هذا التعليم أن يحدثه في مجال التحوّل الاجتماعي.
للتعليم، في الواقع، دور معقّد وصعب يلعبه في الدفاع عن حقوق الإنسان، ودعم التنمية الإنسانية وتعزيز المجتمع المدني. كي يسهم تعليم حقوق الإنسان - وفكر حقوق الإنسان - بصورة راسخة في ثقافة حقوق الإنسان في بلداننا، علينا أن نحاول فهم النماذج المتميزة لتعليم حقوق الإنسان المطبقة عملياً، وأن نوضح صلتها باستراتيجيات التغيير الاجتماعي. ينبع محور تركيز هذا المقال من برامج تعليم حقوق الإنسان المطبقة حالياً والشعور بأن المساهمين في تعليم حقوق الإنسان ودعاة هذه الحقوق المدافعين عنها - أي أولئك الذين يديرون حلقات التدريب، ويعدّون المواد التعليمية ويصممون البرامج - يمكن أن يفيدوا من بحث مسألة كيف يمكن لاستراتيجيات التعليم والتدريب أن تسهم في التغيير الاجتماعي. ما يتوخاه تعليم حقوق الإنسان في نهاية المطاف هو العمل على إشاعة ثقافات حقوق الإنسان في مجتمعاتنا، وينبغي أن يجري تقييم البرامج من ناحية قدرتها على الإسهام في تحقيق هذا الهدف العام.
تعليم حقوق الإنسان والدفاع عنها
حيث تسعى معظم المجتمعات إلى تجسيد مبادئ حقوق الإنسان بصورة أفضل، فإن تعليم حقوق الإنسان يعني ضمناً تعليماً يؤدي إلى الدعوة إلى تبني هذه الحقوق والدفاع عنها. ولكن هذه الفكرة عامة جداً. لجهة إحداث التغيير الاجتماعي، يجب أن يكون تعليم حقوق الإنسان مصمماً من الناحية الاستراتيجية لكي يبلغ ويدعم أفراداً وجماعات ممن يستطيعون العمل لتحقيق هذه الأهداف. على سبيل المثال، بالنسبة إلى جماعات معينة يتوجه إليها تعليم حقوق الإنسان، يجب أن يكون هذا التعليم متعلقاً بالإطار التالي للتغيير الاجتماعي:
رعاية وتعزيز القيادة - لتحقيق التغيير الاجتماعي، من الضروري أن تكون هناك مجموعة ملتزمة لا تملك مجرّد الرؤيا بل المعرفة السياسية أيضاً. وسيحتاج هؤلاء القادة إلى المهارات اللازمة لوضع أهداف محددة واستراتيجيات فعّالة تلائم الجو السياسي والثقافي السائد لديهم.
تكوين الإئتلافات والتحالفات - يمكن للتعليم أن يكون أداة لإعداد الأفراد لمسؤولياتهم القيادية. وتكوين الإئتلافات والتحالفات يساعد الناشطين في مجال حقوق الإنسان على إدراك إمكانية نجاح جهودهم المشتركة في تحقيق أهداف التغيير الاجتماعي.
التمكين الشخصي - يرمي هدف التمكين الشخصي في بادئ الأمر إلى مداواة مشاكل المجتمع، ومن ثم إلى تطوير ذلك المجتمع وبعد ذلك إلى تحقيق التحول الاجتماعي فيه. هذان الهدفان المترابطان المتمثلان بالتمكين الشخصي والتغيير الاجتماعي يجعلان من تعليم حقوق الإنسان أمراً فريداً لدى مقارنته بالبرامج التعليمية التقليدية الأخرى، مثل تلك التي يعرضها كتاب "وضع استراتيجيات لحركة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة" الذي اشتركت في تأليفه لين نيلون مؤلفة كتاب "تقييم حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأميركية".
يمكن لإطار التغيير الاجتماعي المتنوع هذا أن يكون شديد التعقيد، ولكن اللغة التي تصف تعليم حقوق الإنسان لغة تستخدم تعابير عامة. نعرف أن برنامجاً لتعليم حقوق الإنسان يتناول في حده الأدنى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ووثائق أخرى خاصة بحقوق الإنسان تتعلق به، وأنظمة الرقابة والمحاسبة على الأعمال. من الجدير ذكره أنه رغم كون تعليم حقوق الإنسان أصبح يتعدى مجرّد نشر المعلومات عن قانون حقوق الإنسان، فإن هذه الوسائل (وآليات الحماية المتصلة بها) لا تزال تشكل جزءاً أساسياً من أي برنامج. فمن دون الإشارة إلى هذه الآليات أو التعليمات بشأن كيفية استخدامها، يصبح من الصعب على تعليم حقوق الإنسان أن يميّز نفسه عن حقول أخرى مثل تعليم السلام أو التعليم الشامل.
تتضمن برامج تعليم حقوق الإنسان أيضاً نهجاً تعليمياً تفاعلياً. فلغة تعليم حقوق الإنسان تتحدث عن كون هذا التعليم ينطبق على حياة الناس اليومية وعلى استخدام أساليب تعليم تجعل المتعلمين يشتركون في اكتساب مهارات التعبير عن مواقفهم كما تكسبهم مهارات لتطوير معارفهم. يعتبر هذا النهج الذي يعتمد المشاركة بأنه يحفز على التعلّم ويراعي النواحي الإنسانية، وبالتالي يعتبر عملياً لأن هذا الشكل من التعليم يتصل بتغيير المواقف والتصرفات أكثر مما يتصل بالنهج الذي يكتفي بإلقاء المحاضرات.
نماذج في طور البروز لتعليم حقوق الإنسان
تمثّل النماذج إطاراً مثالياً لفهم الممارسة الحديثة لتعليم حقوق الإنسان. تتصل مفاهيم كل نموذج ضمناً بمجموعات معينة يتم التوجّه إليها واستراتيجية للتغيير الاجتماعي والتنمية البشرية. بسبب الطبيعة النظرية للنماذج المشروحة أدناه، تفتقر هذه النماذج بالضرورة إلى التفصيل والعمق. فعلى سبيل المثال، ليس هناك من تمييز بين طرق المعالجة الرسمية وغير الرسمية. ولكن الهدف من عرض هذه النماذج هو البدء في تصنيف أنواع ممارسات تعليم حقوق الإنسان التي يجري تطبيقها، وبحث منطق برنامجها داخلياً وتوضيح صلتها الخارجية بالتحوّل الاجتماعي.
إن هذه النماذج المتميزة لتعليم حقوق الإنسان المعروضة هنا يمكن جمعها في صيغة معدّلة لـ "هرم التعلّم". ففي القاعدة العريضة نجد "نماذج القيم والإدراك"، وفي الوسط "نموذج المحاسبة على الأعمال" وفي القمة "نموذج التحوّل".
لا يعكس وضع نماذج تعليم حقوق الإنسان هذه في هذه المواقع حجم المجموعات السكانية التي يتم التوجّه إليها والتعامل معها (من توعية الرأي العام حتى إيجاد مدافعين جدد) وحسب، بل يعكس أيضاً درجة صعوبة كل من البرامج التعليمية. تهدف برامج توعية الجمهور إلى نشر البرامج، في حين يتطلّب إيجاد الناشطين وبناء القدرات التزامات أكثر صعوبة ومعاملة بالمثل من قبل جميع المعنيين. كل المستويات تعزز بعضها البعض، ولكن بعض النماذج هو بالطبع أكثر تأثيراً في نشر وتعزيز التغيير الاجتماعي - حسب وضع حركة حقوق الإنسان داخل المجتمع المعني. يحتاج أي برنامج إصلاح اجتماعي إلى قيادة قوية تركز جهودها على الإصلاح المؤسساتي والقانوني. ولكن التحرك يحتاج أيضاً إلى دعم على مستوى القاعدة، حيث يكون التركيز على سبل دعم الأفراد والمجتمع.
لذلك، يحتاج العاملون في تعليم حقوق الإنسان إلى أن يأخذوا في الحسبان لدى تصميم برامجهم الحاجات والفرص معاً. قد يقرر أحد هؤلاء تطبيق برنامج يستند فقط إلى قيمه الشخصية، وتجاربه، وموارده ومركزه الاجتماعي. ولكن يمكن لهذا أن يأخذ في الحسبان أيضاً علاقة البرنامج الذي يعتزم تطبيقه بنماذج تعليم حقوق الإنسان المذكورة في هذا المقال، وكيف يمكن للبرنامج أن يدعم التحرك باتجاه تحقيق كامل لثقافة حقوق إنسان في المجتمع المعني.
النموذج الأول - نموذج القيم والوعي
في "نموذج القيم والوعي" يكون محور التركيز الرئيسي لتعليم حقوق الإنسان هو نشر المعرفة الأساسية بقضايا حقوق الإنسان وتعزيز اندماجها بالقيم العامة. تكون حملات التوعية العامة والمناهج الدراسية في العادة ضمن هذا الإطار. وليس من غير المعتاد لمناهج التعليم في المدارس التي تتضمن حقوق الإنسان أن تكون متصلة بالقيم الجوهرية للديمقراطية وممارستها.
الهدف هو تمهيد السبيل لعالم يحترم حقوق الإنسان من خلال إدراك والتزام الأهداف المعيارية التي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ووثائق أخرى أساسية تتعلق بها. إن مواضيع حقوق الإنسان التي تنطبق على هذا النموذج تتضمن تاريخ حقوق الإنسان، ومعلومات عن الأدوات الأساسية لمراعاة حقوق الإنسان وآليات حمايتها، والاهتمامات الدولية التي تتعلق بحقوق الإنسان (مثل عمالة الأطفال، والاتجار بالبشر والإبادة الجماعية). الاستراتيجية التربوية الأساسية في هذا النموذج هي المشاركة: أي اجتذاب اهتمام الشخص المراد تعليمه. إن مثل هذه الأساليب يمكن أن تكون مبتكرة جداً (مثلاً، لدى استخدام الحملات الإعلامية أو اللقاءات الشعبية) ولكنها يمكن أيضاً أن تتحوّل إلى أسلوب إلقاء المحاضرات. ولكن هذا النموذج لا يركّز على تطوير المهارات، كتلك المهارات المتعلقة بالتواصل، وحل النزاعات والعمل الناشط في سبيل تحقيق هدف ما.
الاستراتيجية التي ينطوي عليها هذا النموذج هي أن الدعم الجماهيري لحقوق الإنسان سيبقى يضغط على السلطات كي تحمي حقوق الإنسان. وهذا النهج يعزز في العادة أيضاً التفكير الانتقادي والقدرة على تطبيق إطار عمل يتعلّق بحقوق الإنسان عندما يتم تحليل القضايا السياسية. وهكذا يتم جعل الطلاب "مستهلكين انتقاديين" لحقوق الإنسان.
من غير الواضح ما إذا كان نهج المعرفة والإدراك يبني "إدراكاً انتقادياً لحقوق الإنسان" مع أن من المفترض أن يكون ذلك هدفاً لبرنامج كهذا. إن الإدراك الانتقادي لحقوق الإنسان قد تكون له المعايير التالية، كما هو مبين في مقال غارث مينتيس بعنوان "تعليم حقوق الإنسان كأداة تمكين: انعكاسات على التربية" المنشور في "تعليم حقوق الإنسان للقرن الواحد والعشرين".
قدرة الطلاب على معرفة أبعاد حقوق الإنسان لنزاع ما، وعلاقتها به؛
تعبير لإدراكهم واهتمامهم بدورهم في حماية أو تعزيز هذه الحقوق؛
تقييم انتقادي للردود المحتملة التي يمكن تقديمها؛
محاولة لتحديد أو إيجاد ردود جديدة؛
تكوين رأي في صدد الخيار الأكثر ملاءمة؛ و
تعبير عن الثقة وإدراك للمسؤولية والتأثير في كل من القرار ومفعوله.
من الأمثلة على نموذج القيم والإدراك دروس تتعلق بحقوق الإنسان ضمن مواضيع المواطنية، والتاريخ، ودروس العلوم الاجتماعية ودروس تتعلق بالقانون في المدارس، وإلحاق مواضيع تتعلق بحقوق الإنسان ببرامج رسمية وغير رسمية تتناول الشباب (مثل الفنون، وعيد حقوق الإنسان، ونوادي المناظرات). كما أن حملات التوعية العامة التي تتناول الفنون العامة والإعلانات، والتغطية الأخبارية التي تقوم بها وسائل الإعلام، والمناسبات التي تحتفل بها المجتمعات يمكن أيضاً أن تصنّف ضمن هذا النموذج.
النموذج الثاني - المحاسبة على الأعمال
في هذا النموذج، من المتوقع للمشاركين أن يكونوا مرتبطين بصورة مباشرة أو غير مباشرة بضمان حقوق الإنسان من خلال أدوارهم المهنية. في هذه المجموعة، يركز تعليم حقوق الإنسان على السبل التي تتناول فيها المسؤوليات المهنية إما المراقبة المباشرة لانتهاكات حقوق الإنسان أو العمل لدى السلطات الضرورية من أجل احترامها أو بذل الجهود اللازمة لحماية حقوق الناس (خاصة تلك الفئات الأكثر تعرضاً لانتهاك حقوقها) ممن يتحملون بعض المسؤولية عنهم.
في هذا النموذج، ما تفترضه كل البرامج التعليمية هو أن المشاركين سيكونون معنيين مباشرة بحماية حقوق الأفراد والجماعات. ولذلك فإن خطر انتهاك الحقوق يعتبر ملازماً لعمل هؤلاء. بالنسبة إلى دعاة حقوق الإنسان والمدافعين عنها، يكمن التحدي في فهم قانون حقوق الإنسان، وآليات حماية هذه الحقوق، والمهارات اللازمة للدفاع عنها والعمل في سبيل تعزيزها. أما بالنسبة إلى مجموعات مهنية أخرى، فإن البرامج التعليمية تجعلها مدركة لطبيعة انتهاكات حقوق الإنسان وإمكانية حصول مثل هذه الانتهاكات في دورها المهني، لا لمجرّد منع وقوع تلك الانتهاكات وحسب بل أيضاً لتعزيز احترام كرامة الإنسان. يستهدف التدريب على احترام حقوق الإنسان ومواضيع حقوق الإنسان في هذه المجالات المتخصصة، وتستهدف النتائج المضمون وتطوير المهارات.
من الأمثلة على البرامج التي تصنف في فئة نموذج المحاسبة على الأعمال هناك برامج تدريب الناشطين في مجال حقوق الإنسان والناشطين في المجتمع على أساليب مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها وإجراءات التقدم بالشكاوى لدى الهيئات الوطنية والدولية المختصة. يشمل هذا التصنيف أيضاً التدريب ما قبل العمل وخلاله للمحامين، ومسؤولي النيابة العامة، والقضاة، وأفراد الشرطة وعناصر القوات المسلحة، لا يمكن أن يتضمن هذا التدريب معلومات متعلقة بهذا الأمر في القانون الدستوري والقانون الدولي، وقواعد السلوك المهنية، وآليات رقابة وتقديم الشكاوى، وعواقب مخالفتها. تكون عادة المجموعات المهنية، مثل العاملين في مجال الصحة والخدمات الاجتماعية، والصحافيين، والعاملين في وسائل الإعلام، من المشاركين في برامج تعليم حقوق الإنسان التي ترمي إلى المحاسبة على الأعمال.
في نموذج المحاسبة هذا، لا يعتبر تغيير الذات هدفاً صريحاً إذ إن النموذج يفترض أن المسؤولية المهنية تكفي بالنسبة إلى الشخص الذي لديه اهتمام بتطبيق إطار عمل يتعلق بحقوق الإنسان. ولكن هذا النموذج يهدف إلى إرساء أعراف وممارسات تتعلق بحقوق الإنسان تكون مستندة إلى هيكليات راسخة ومضمونة قانوناً. من المسلّم به في هذا النموذج أن التغيير الاجتماعي ضروري، وأن بالإمكان تحديد أهداف وطنية ومناطقية للإصلاح أساسها المجتمع.
النموذج الثالث -التحول الاجتماعي
في نموذج التحوّل الاجتماعي تتوخى برامج تعليم حقوق الإنسان تمكين الأفراد من معرفة انتهاكات حقوق الإنسان والتزام منع حصولها. في بعض الحالات يتم توجيه هذه البرامج نحو مجتمعات بكاملها-لا نحو الأفراد فحسب. يتضمن هذا النموذج أساليب (مرتكزة في جزء منها على علم النفس) تتناول التفكير بالذات والدعم ضمن المجتمع. ولكن التركيز الرسمي على حقوق الإنسان لا يشكّل سوى أحد عناصر هذا النموذج. من الممكن أن يتضمن البرنامج الكامل أيضاً تنمية القيادات، والتدريب على حل النزاعات، والتدريب الحرفي والتخصص غير الرسمي.
يفترض نموذج التحول الاجتماعي أن يكون قد سبق للطلاب أن مرّوا بتجارب شخصية يمكن اعتبارها انتهاكات لحقوق الإنسان (يمكن للبرنامج أن يساعد في إدراك ذلك) ولذلك يكونون مهيّأين سلفاً لأن يصبحوا من دعاة حقوق الإنسان. وهو يعامل الأفراد بطريقة أكثر كلّية، ولذلك يكون تصميمه وتطبيقه أكثر صعوبة من تصميم وتطبيق النموذجين الآخرين.
هذا النموذج تتضمنه برامج تطبّق في مخيمات اللاجئين، وفي مجتمعات خارجة من نزاعات، وفي حالات ضحايا سوء معاملة الأقرباء ولدى الجماعات التي تخدم الفقراء. هناك أمثلة عن "مجتمعات حقوق إنسان" تقوم فيها الهيئات الحاكمة، والمجموعات المحلية والمواطنون "بتفحص المعتقدات التقليدية، والذاكرة الجماعية كما التطلعات الجماعية من حيث انطباقها على مضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، مثل أولئك الذين يساندهم عقد الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي أعلن رسمياً أنه يبدأ عام 1995 وينتهي عام 2004.
في بعض الحالات، يطبّق هذا النموذج في المدارس، حيث يمكن للدراسات المعمقة لحالات انتهاك حقوق الإنسان (مثل محرقة اليهود والإبادة الجماعية) أن تشكّل عوامل مساعدة فعّالة في تناول موضوع انتهاكات حقوق الإنسان. في بعض البرامج المتقدمة، يطلب من الطلاب أن يفكّروا بطرق يمكن لهم ولغيرهم أن يكونوا فيها ضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان وأيضاً مرتكبي مثل هذه الانتهاكات. وهكذا يتم استخدام أساليب نفسية مع الطلاب للتغلّب على عقلية "نحن" و"هم"، وزيادة الشعور بالمسؤولية الشخصية. يصبح المتخرجون من مثل هذه البرامج قادرين على معرفة حقوقهم وحقوق الآخرين الذين يلتقون وإياهم وحماية هذه الحقوق.
إذا رغبت المدارس المعنية، يمكن لبرامج تعليم حقوق الإنسان التي تُدّرس فيها أن تتناول موضوع المشاركة في اتخاذ قرارات العائلة؛ احترام الأهل، إنما رفض أعمال العنف بين أفراد العائلة؛ والمساواة بين الأب والأم داخل البيت.
تعزيز حقل تعليم حقوق الإنسان
ركّز هذا المقال على شرح نماذج تعليم حقوق الإنسان كأداة لتصنيف البرامج التعليمية، موضحاً ما هي الجماعات التي تتوجه إليها هذه النماذج، وطالباً منّا أن نفكّر بالصلة التي تقوم بينها وبين هدف التنمية البشرية والتغيير الاجتماعي. نأمل أن يكون لهذه النماذج تأثير في تصميم برامج تتسم بعمق التفكير، وتعزيز العمل في مجال تطوير النظريات والأبحاث.
لكن هناك سبلاً أخرى تتيح للمربين في مجال حقوق الإنسان اتخاذ خطوات لتعزيز البرامج. وإذا كان لتعليم حقوق الإنسان أن يصبح حقلاً حقيقياً، علينا مواجهة تحدي أن نصبح أكثر تماسكاً وانسجاماً (حتى في نطاق تنوع نماذجنا)، وأن نكون متميزين (بحيث نقدّم من القيمة والنتائج ما لا تستطيعه برامج أخرى)، وأن نتمكن من تكرار ما نفعله.
كي يصبح تعليم حقوق الإنسان أكثر تميّزا كحقل، هناك عدد من المجالات التي ينبغي علينا دراستها وتحليلها وتوثيقها.
إننا نحتاج إلى أمثلة مفصّلة ضمن حقل تعليم حقوق الإنسان من شأنها إظهار الاستخدام الحريص للنظرية التعليمية المناسبة لمضمون البرنامج. مثلاً، يجب أن تكون برامج تعليم البالغين تحتوي على تصاميم (لا مجرد دورات تدريب) تأخذ في الحسبان العملية التي تستخدم لتعليم البالغين. كما ينبغي أن تكون البرامج التي تطبّق في المدارس ملائمة من ناحية عمر الطلاب المعنيين ومدى تطور شخصياتهم. كما ينبغي للبرامج المخصصة لمجموعات لديها احتياجات خاصة، مثل اللاجئين أو ضحايا سوء المعاملة، أن تعكس الحساسيات الضرورية.
مع أن مجموع عدد دورات التدريب والمقررات الدراسية التي تقدّم في مجال تعليم حقوق الإنسان زاد عما كان قبلاً، ليس هناك بعد أي معيار واضح لما يمكن أن يعتبر مدرباً مؤهلاً في مجال تعليم حقوق الإنسان. في الوقت الراهن، يقوم بتدريس المقررات الخاصة بحقوق الإنسان أشخاص لديهم بعض الخبرة السابقة في مجال التدريس. مع ذلك، ليست هناك أي شهادات وطنية أو دولية توضح وتثبت أهلية هؤلاء المعلمين؛ كما لا توجد معايير واضحة للدراسة أو الممارسة. يمكن لأعمال التدريب ومعايير المناهج أن تحسّن أوضاع تعليم حقوق الإنسان كحقل له اعتباره، كما يمكن لها أن تطلق نقاشاً مفيداً لجهة أهداف المتعلّم والجهود الرامية إلى تحقيق تغيير استراتيجي.
يحتاج حقل تعليم حقوق الإنسان إلى دليل يثبت نجاحه في تحقيق أهدافه، بالنسبة إلى كل النماذج. إننا في حاجة لأن نعرف أي البرامج نجحت، ولماذا. وإذا كانت للنماذج التي عُرضت في هذا المقال أي مصداقية، فيمكن اختبارها وتوضيحها من خلال تقييم البرامج. هذه الدراسات تقيّم البرامج على أساس تحقيقها الغايات المرجوة في مجالات المعرفة والقيم والمهارات، وعلى أساس إسهامها المباشر بالدفاع عن حقوق الإنسان والعمل في سبيل التغيير الاجتماعي. مثل هذه الأبحاث لا تؤدي إلى تحسين نوعية وضع البرامج التعليمية وحسب، بل تساعد أيضاً في إثبات صحة ما لا يزال اليوم حدساً لناحية أهمية التعليم في حقل حقوق الإنسان.
يمكن لتعليم حقوق الإنسان أن يتطور ليصبح حقلاً تربوياً كاملاً - في كل من مجال حقوق الإنسان والمجال التربوي العام. إنه في وضعه الحالي مجموعة برامج متفرقة مثيرة للاهتمام. والنماذج التي تم عرضها في هذا المقال هامة لأنها تقترن باستراتيجيات متميزة تساعد في إرساء ثقافات حقوق إنسان في مجتمعاتنا وبلداننا. لعل بإمكاننا الاتفاق على أننا نريد أن تكون كل النماذج الثلاثة ممثلة في كل من مجتمعاتنا، إذ إنها تكمل بعضها البعض في دعم بنية تحتية نابضة بالحياة لحقوق الإنسان. ولكننا، كمربين، بحاجة إلى أن نتحلى بالحكمة في اختيارنا مكامن توظيف طاقاتنا، وأن نتحلى بالإقدام في إيجاد هذه الفرص في مجتمعاتنا. إن التفكير في هذه النماذج يمكن أن يساعد هذه العملية.
إننا نمر في مرحلة مثيرة لجهة ازدياد وعي الناس لحقوق الإنسان واهتمامهم بها. علينا أن لا نضيع الفرصة المتاحة لنا للمساعدة في جعل تعليم حقوق الإنسان نهجاً بالغ الأهمية لدراسة أوضاع مجتمعاتنا وبنائها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
المـــــدون الحــــــــر © 2012| تعريب وتطوير : سما بلوجر