• المـــــدون الحــــــــر
Flag Counter

العــــــلـــــمـــــــــــانـــــيــة هـــي الحــــــل

الأربعاء، 26 يونيو 2013
"إنه ليس صراعا بين المسلمين وغير المسلمين، بل هو صراع بين العلمانيين ومن يريدون إدماج الدين في كل تفاصيل الحياة". هكذا تحدث ذلك الصديق المؤمن بالقيم الإنسانية بمفهومها الواسع.
قرأت رسالته أكثر من مرة. النقاش الدائر حاليا حول الحريات الفردية والحرية الجنسية وحرية المعتقد يعطي فعلا الانطباع بأن هناك صراعا بين "شرذمة من الملحدين الكفار الزنادقة وأعداء الإسلام"، وبين مسلمين مؤمنين هدفهم الحفاظ على الأخلاق الحميدة.
الأمر ليس بهذه السهولة. لا أؤمن بالأبيض والأسود لأني أعتقد أنه في جميع شؤون الحياة، في السياسة كما في الحب وفي المعرفة، هناك دائما أطياف كثيرة من الرمادي المتعدد المستويات. ليس هناك كافر ومؤمن. هناك قناعات وممارسات كثيرة بين الاثنين…
لكني اليوم، أكثر من أي يوم آخر، متأكدة أن العلمانية هي الحل. فصل الدين عن السياسة وعن الحياة العمومية. هذا هو الحل الحقيقي لتجاوز كل هذا الكم الهائل من النفاق ومن الكذب على الذات ومن الرغبة في خنق حرية الآخر. النتيجة اليوم أن فئة عريضة من المجتمع تفضل المفاوضة مع الدين للحفاظ على حد أدنى من راحة الضمير، وعلى صورة "محترمة" أمام الآخر.
كل هؤلاء الذين رفعوا سيوفهم في وجه مختار الغزيوي، كم منهم يستطيع أن يؤكد اليوم (بدون رياء) بأنه قط لم يمارس الجنس خارج مؤسسة الزواج؟ إن كان الحفاظ على تعاليم الإسلام ما يهمهم، فالجواب يقتضي التأكيد بالإجماع، وبدون أي هامش للخطأ. هل ما يهم في النهاية، هو فعلا الحرص على تطبيق تعاليم الدين أم الحفاظ على "شرف" الأخت… وعبر كل هذا العويل والتهويل، الحفاظ على بعض من راحة الضمير وعلى صورة جميلة أمام الآخر؟
لنتأمل أيضا كل هؤلاء الذين ينقطعون عن شرب المواد الكحولية أربعين يوما قبل رمضان. من أين أتوا بهذه الفتوى؟ سألت أحدهم فأجابني بأن السبب هو كون الكحول يبقى عالقا في الدم لمدة أربعين يوما بعد استهلاكه، لذلك وجب الانقطاع عن استهلاك المواد الكحولية لمدة أربعين يوما قبل شهر رمضان. الشخص أضاف أن الأمر تم إثباته علميا. لا أريد هنا أن أدخل في نقاش تحريم الخمر من عدمه، لكني بالمقابل أهتم بفهم هذه "التسهيلات" التي يمنحها الأفراد لأنفسهم. أولا، وبلغة العلم التي استعملها صاحبنا، فالأمر غير صحيح. المواد الكحولية تتبخر من دم المستهلك بضع ساعات بعد استهلاكها. وإلا، فلنتخيل أن شخصا استهلك بعض النبيذ أو البيرة، وأنه، عشرة أيام بعد ذلك، يتعرض لاختبار نسبة الكحول في الدم من طرف شرطي مرور، في المغرب أو في أي بلد في العالم، ليكتشف الشرطي بأن نسبة الكحول في دمه ما تزال مرتفعة. هل يعني هذا أن من يستهلكون المواد الكحولية، لا يحق لهم السياقة لمدة أربعين يوما؟ الأمر يبدو غير منطقي… نحن هنا ما زلنا نتحدث بلغة العلم والقانون. لنذهب الآن إلى لغة الدين. هل التوقف عن شرب المواد الكحولية أربعين يوما قبل حلول رمضان، يعني في النهاية أن استهلاكها خلال باقي أيام السنة حلال وممكن ووارد؟ أفضل أن أبقي السؤال هنا مفتوحا… 
المشكلة أن كل هذه النقاشات أصبحت تختزل في: "هل أنت مسلم أم غير مسلم؟"، "هل أنت ضد الإسلام أم معه؟". أتذكر هنا مشهدا تلفزيونيا نقل إلينا نضالات الشعب المصري. في ساحة التحرير، كان أحدهم يحمل راية المملكة السعودية. بادرته فتاة مصرية بالقول بأن تلك ليست راية الإسلام بل راية بلد آخر، وبأنه يتوجب عليه رفع راية مصر. باختزال شديد أجابها الرجل: "هل أنت مسلمة أم لا؟". لدي أحيانا الانطباع بأن هذه العبارة أصبحت حجة من لا حجة له.
هو إذن، بالفعل، ليس صراعا بين من يريدون تطبيق الإسلام وبين من يرفضونه رفضا. هو ليس صراعا بين المؤمنين وبين الكفار. هو صراع حقيقي بين من يريدون فرض تطبيق الدين في كل تفاصيل الحياة (على الأقل بشكل رسمي وعلى مستوى الخطابات، لأن الواقع شيء آخر)، وبين من يعتبرون بأن الممارسة الدينية كيفما كان شكلها هي حق إنساني محض… لكنها يجب أن تنحصر في الحياة الخاصة. لا يمكن أن نفرض الإيمان على أي شخص. وحده القانون يجب أن ينظم حياة الأفراد، لأن القانون يتغير ويتحول بتحول المجتمعات. لأنه من صنع البشر. لأنه قابل للتطور. بالطبع، وكما يجب أن يضمن هذا القانون حق الأفراد في عدم ممارسة شرائعهم الدينية وفي التحكم في اختياراتهم العقائدية؛ يجب أيضا أن يكفل لكل الأفراد، أغلبية وأقلية، حق ممارسة شعائرهم الدينية بأمان.
إنه على الأقل حل سيجعل الأفراد مسؤولين فعلا عن اختياراتهم وسلوكياتهم وممارساتهم وقناعاتهم. 
تم نشر هذا المقال في جريدة الصباح يوم الخميس 12 يوليوز 20120
سناء العاجي

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
المـــــدون الحــــــــر © 2012| تعريب وتطوير : سما بلوجر