• المـــــدون الحــــــــر
Flag Counter

"النسب الشريف" أو عندما يصبح الميز العرقي من الثوابت

السبت، 25 مايو 2013
من بين كل الأفكار الخاطئة التي تروج بالمغرب، رسميا وشعبيا، كحقائق وبديهيات حول اللغة والتاريخ والهوية، هناك واحدة هي التي تثير الغضب أكثر وتستفز بشكل لا يحتمل. إنها الفكرة الخرافية "للنسب الشريف".
كيف يعقل ويقبل ادعاء "نسب شريف" في القرن الواحد والعشرين؟ كيف يعقل ويقبل ادعاء "نسب شريف" في الوقت الذي ينص فيه دستور البلاد على المساواة بين المواطنين؟ كيف يعقل ويقبل أن يدافع برلماني عن خرافة "النسب الشريف" بالبرلمان، مقارنا إدريس الأول برسول الله (صلعم)، ويشتم علنا، وداخل لجنة برلمانية، من انتقد هذه الخرافة (يتعلق الأمر ببرلماني أثار ما قاله السيد عصيد عن إدريس الأول في اجتماع للجنة الخارجية والأوقاف بمجلس النواب يوم الثلاثاء 30 أبريل 2013)؟ كيف يعقل ويقبل أن تصبح خرافة عرقية وعنصرية من الثوابت والمقدسات التي لا يجب المس بها ولا التشكيك أو إعادة النظر فيها؟ كيف يعقل ويقبل أن يصبح هذا النوع من الميز العرقي العنصري منتشرا بالمغرب كسلوك عادي وطبيعي، لا يسبّب تذمرا ولا استياء، ولا يثير رفضا ولا احتجاجا ولا اعتراضا؟
يجدر التوضيح أن الأمر لا يتعلق هنا، بخصوص مسألة "النسب الشريف"، بمجرد التبجح بالأجداد الحقيقيين أو المفترضين، والذي يدخل في إطار تفاخر هذا الفرد أو ذاك بانتسابه إلى هذا الجد أو ذاك، مما يعطي للمسألة طابعا خاصا وشخصيا، وإنما يتعلق الأمر بمسألة ذات طابع عمومي ـ وليس خصوصي ـ تهم "الشأن العام" لعلاقتها بالدولة والحكم وهوية وتاريخ الشعب المغربي.
ومن هنا خطورة وأهمية مسألة "النسب الشريف" بالمغرب، لأنها مسألة تعني كل المغاربة. فبقدر ما تهم مدعي "النسب الشريف" لأنها تمنحهم امتيازات خاصة، تهم بنفس القدر المقصين من هذا "النسب الشريف" لأنها تحرمهم من تلك الامتيازات.
لنحلل مضامين ودلالات وأبعاد ومرامي "النسب الشريف" بشيء من التفصيل.
من الخصائص الجوهرية الملازمة "للنسب الشريف" أنه لا جدوى ولا غاية من ادعائه إن لم يكن صاحب هذا الادعاء ينظر إلى الآخرين على أنهم أقل شرفا ومكانة منه لافتقارهم إلى "نسب شريف". فـ"النسب الشريف" يقوم أولا على فكرة أن صاحب هذا النسب يتوفر على شرف خاص يستمده من أصوله العرقية، وثانيا أن الآخرين، غير المنتسبين لنفس الأصول العرقية، أقل شرفا ومكانة بسبب أصولهم العرقية المختلفة عن الأولى.
وماذا تسمى هذه المفاضلة، في المكانة والشرف، بين بني البشر بناء على أصولهم العرقية؟ تسمى، بكل بساطة وبكل وضوح وبدون أي لبس أو غموض، الميز العنصري، بل تشكل ملِكَة العنصرية وقمّتها لأنها تقوم على العرق، عكس الأشكال الأخرى من الميز العنصري التي تكون أسبابها دينية أو لغوية أو جنسية (المفاضلة بين الرجل والمرأة).
فادعاء "النسب الشريف"، إذن، سلوك عنصري صريح وبواح. وانتشار أشجار "النسب الشريف" بالمغرب، هو انتشار لثقافة ميز عنصري مقيت ومرفوض.
مدّعو "النسب الشريف" يدّعون ـ لتبرير الادعاء الأول ـ أنهم ينحدرون من نسل فاطمة رضي الله عنها، بنت الرسول (صلعم) الذي هو مصدر ما يزعمونه من "شرف" يختصون به دون غيرهم. وهذا يعني أن من أركان "النسب الشريف" "الصفاء العرقي"، الذي يضمن أن مدعي هذا النسب ينحدر فعلا من الرسول الأعظم عبر فاطمة رضي الله عنها. فبدون هذا "الصفاء العرقي"، ينتفي "النسب الشريف" لغياب الرابطة العرقية بين مدعي هذا النسب ومصدره الذي الرسول (صلعم). الركن الذي يقوم عليه إذن "النسب الشريف"، هو مفهوم "الصفاء العرقي".
و"الصفاء العرقي"، كما هو معلوم، فكرة نازية طبقها "الرايخ" الثالث (الدولة الألمانية التي حكمها هتلر في ظل النظام النازي)، الذي مارس سياسة التطهير العرقي حفاظا على "الصفاء العرقي" للجنس الآري كجنس أعلى ومتفوق، كما تعتقد النازية، يحق له السيطرة على الشعوب الأخرى المنتمية إلى أعراق دنيا ووضيعة، حسب اعتقاد النازية دائما.
بالإضافة إلى أن مفهوم "الصفاء العرقي" هو الذي يجمع بين فكرة الجنس الآري لدى النازية، وفكرة "النسب الشريف" لدى مدعي هذا النسب، فإن ما يشتركان فيه كذلك هو تخصيص بطاقات إدارية لأصحاب "النسب الشريف" بالمغرب تمييزا لهم عن أصحاب الأعراق غير "الشريفة"، وتخصيص ملفات إدارية، في نظام "الرايخ" الثالث، خاصة بغير المنتمين إلى العرق الآري مثل اليهود.
بيد أن الفرق بين النوعين من "الصفاء العرقي"، لدى أصحاب "النسب الشريف" ولدى النازية، هو:
ـ أن النازيين كانوا يعتمدون على وسائل شبه علمية لإثبات "الصفاء العرقي"، مثل شكل الأنف وعرض الجبهة وقياس الجمجمة... أما مدّعو "النسب الشريف" بالمغرب، فيعتمدون على الخرافات والأباطيل والمزاعم وبطاقات "النسب الشريف" التي يحررونها هم أنفسهم ليثبتوا بها صحة "نسبهم الشريف".
ـ أن النازيين، عندما يريدون إثبات أو نفي "الصفاء العرقي" لمن يدعي أنه من عرق آري، فإنهم يأخذون بعين الاعتبار أصوله من نسب الأم والأب كليهما. في حين أن مهووسي "النسب الشريف" بالمغرب لا يعترفون إلا بنسب الأب مع تجاهل تام لنسب الأم، كأن المعني بـ"النسب الشريف" ولده رجل بمفرده في استغناء كامل عن الأنثى. سنعود إلى هذه النقطة لاحقا ضمن هذه المقالة.
من جهة أخرى، تطرح فكرة "الصفاء العرقي"، الذي هو الشرط الواقف لوجود "نسب شريف" كما بينا، السؤال التالي:
ـ من يستطيع أن يثبت "الصفاء العرقي"، وبشكل علمي يقيني وقطعي وليس استنادا إلى روايات ملفقة ومزاجية، لسلسلة أجداده لأكثر من عشرة أجيال مثلا؟ إذا كانت هذه المدة من عشرة أجيال تجعل إثبات "الصفاء العرقي" ـ وبشكل علمي يقيني وقطعي كما قلت ـ أمرا شبه مستحيل، فإن إثباته ـ ودائما بشكل علمي يقيني وقطعي ـ لمدة تزيد عن عشرة قرون، كما يدعي أصحاب "النسب الشريف"، أمر مستحيل استحالة مطلقة. لأنه حتى في حالة إثبات التسلسل الزواجي، وهو أمر مستبعد، فإن ذلك لا يثبت بالضرورة التسلسل البيولوجي، الذي هو وحده أساس "الصفاء العرقي"، الذي هو بدوره أساس "النسب الشريف" كما شرحنا. ولهذا سبق لابن خلدون أن كتب في مقدمته أن «النسب أمر وهمي لا حقيقة له».
عندما نشرت يومية "المساء" في عددها 2014 ليوم 16 مارس 2013 ملفا مطولا عن إدريس الأول، وعرضت فيه وجهة نظر من يشكك في نسب إدريس الثاني إلى إدريس الأول، ثارت ثائرة سدنة معبد "النسب الشريف"، واعتبروا هذا التشكيك طعنا في ثوابت الأمة ومقدساتها. مع أنه كان بإمكانهم، للحسم في هذه المسألة ووضع حد للنقاش حول الموضوع بصفة نهائية، المطالبة بإجراء اختبار للحمض النووي لرفات إدريس الأول الراقد بزرهون وإدريس الثاني الراقد بفاس، لتأكيد أو نفي أن هذا الأخير هو الأب البيولوجي للأول.
فلماذا لا يطالب المستنكرون للتشكيك في كون إدريس الأول هو والد إدريس الثاني، وحتى يغلقوا علميا أفواه المشككين في نسب الأدارسة، بمثل هذا التحليل البيولوجي لرفاتهما، وهو ما أصبح متاحا اليوم بالمغرب لوجود مختبرات تجري مثل هذه التحاليل وتكشف عن النتائج في أقل من أسبوع؟ لماذا لا يُلجأ إلى العلم لتبيان الحقيقة وتمحيص وتصحيح التاريخ، ما دام أن ذلك ممكن ومتاح؟ أم أن هناك من يخاف من الحقيقة لأنه يستفيد من الخرافة التي يجعل منها رأسماله الرمزي والسياسي والاجتماعي؟
ومن الثغرات التي تقوّض مفهوم "الصفاء العرقي"، الذي هو ركن ضروري لوجود "نسب شريف" كما شرحنا، أن هذا "الصفاء العرقي" يعتمد حصرا على النسب الأبوي الذكوري، كما سبقت الإشارة، مع إقصاء كامل لدور الأمهات في نقل جيناتهن الوراثية إلى أبنائهن، كأن هؤلاء الأبناء ولدهم رجال دون أن يقيموا أية علاقة جنسية مع أية امرأة، أو كأن تلك الأمهات قمن فقط بكراء أرحامهن لحمل أجنة ليسوا من صلبهم، وفي وقت لم تكن فيه ظاهرة كراء الأرحام معروفة بعدُ.
لقد أثبت العلم أن الأم والأب متساويان، بنسبة 50% لكل منهما، في نقل خصائصهما البيولوجية والعرقية إلى أولادهما. وللتذكير فهذه الخصائص ـ البيولوجية والعرقية ـ هي التي تشكل مضمون "الصفاء العرقي" الذي ينبني عليه صرح "النسب الشريف". وإذا كان هذا "النسب الشريف" يفتقر إلى 50% من "صفائه العرقي"، فهذا يعني أنه نسب غير "شريف" لأنه غير كامل في "شرفه". وإذا أحصينا عدد النساء اللواتي لا ينتمين إلى نفس النسب "الشريف" لزوجهن "الشريف"، فستختفي في النهاية الخصائص البيولوجية والعرقية "الشريفة" لانخفاض 50% منها في كل زواج تكون فيه الزوجة ذات نسب غير "شريف"، حتى نصل، في الأخير، إلى أبناء فقدوا كل نسب "شريف" لهيمنة الخصائص البيولوجية والعرقية للمنحدرين من الأمهات غير "الشريفات".
كل هذا يبين أن اختلاط الأنساب، عن طريق التزاوج والمصاهرة والتناسل، يجعل من "النسب الشريف" خرافة حقيقية، لأنه يقوم أصلا كما شرحنا، على فرضية "الصفاء العرقي"، الذي يصبح أمرا مستحيلا بسبب هذا التزاوج والمصاهرة والتناسل، إلا إذا افترضنا أن "الشرفاء" كائنات خنثوية (Hermaphrodite) تتوفر على عناصر الإخصاب الذكورية والأنثوية في نفس الوقت، الشيء الذي يجعلها تستغني عن الأنثى للأنجاب والتكاثر لأنها تنجب وتتكاثر من تلقاء نفسها.
إن حصر "النسب الشريف" في سلسلة الذكور ينفي، إذن، وجود "نسب شريف" لأن العرق، المفترض أنه صافٍ كشرط لوجود "النسب الشريف"، يصبح، بسبب التزاوج كما شرحنا، مختلطا وملوثا، يفقد صفاءه الذي هو علة وجود "النسب الشريف".
ثم إن حصر "النسب الشريف" في سلسلة الذكور فقط دون الإناث، فيه إهانة للمرأة واحتقار لها وإقصاء لدورها، بل فيه وأد لها مرة أخرى بالتعامل معها كما لو لم تكن أمّا نقلت جيناتها إلى مدعي "النسب الشريف". وهكذا يمثّل "النسب الشريف"، بإقصائه لنسب المرأة، موقفا معاديا لهذه الأخيرة، وامتدادا لثقافة الوأد الجاهلية.
إلا أن المفارقة العجيبة ـ كما عوّدتنا على ذلك العروبة العرقية دائما ـ أن مدّعي "النسب الشريف"، الذي ينسبونه حصرا للرجال دون النساء، أنصفوا المرأة مرة واحدة ووحيدة. وقد فعلوا ذلك، ليس رفعا لمكانتها ولا تكريما لها، وإنما لتبرير نسبهم "الشريف" الذي يحصلون به على امتيازات سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية. الحالة الوحيدة والفريدة التي رفعوا فيها من قدر المرأة وفضلوها على الرجل، هي حالة فاطمة رضي الله عنها بنت الرسول (صلعم). فرغم هيمنة الثقافة الذكورية المعادية للمرأة Misogynie، والتي تجعل عامل تحديد شجرة النسب هو الرجل دائما وليس المرأة، إلا أن فاطمة رضي الله عنها بنت الرسول (صلعم)، ورغم أنها أنثى، أصبحت هي المحدد لنسب الذين انحدروا منها وليس آباؤهم وأجدادهم الذكور.
وهكذا يكون "الشرفاء" بالمغرب، ليسوا الذين ينحدرون من علي بن أبي طالب، بل من فاطمة زوجة علي، التي هي بنت الرسول (صلعم)، الذي هو المنبع الأول والأصلي "للنسب الشريف". وبالتالي فإن "شرفهم" يستمدونه من فاطمة الأنثى وليس من علي الذكر. هكذا يكون الانتساب إذن إلى الدم النبوي، يمر عبر فاطمة/المرأة كمحدد للنسب والانتماء البيولوجي والعرقي. وهذا شيء مهم بالنسبة للمرأة. وحبذا لو طالبت الحركات النسائية باعتماد المرأة كمحدد للانتماء الجينيالوجي لوضع حد للهيمنة الذكورية في مجال النسب.
إذن إدريس الأول، الذي يدّعي "شرفاء" المغرب أنهم ينحدرون منه، ينتمي إلى الدوحة النبوية عبر جدته فاطمة فقط، وليس عبر آبائه وأجداده الآخرين الذين قد لا تربطهم أية علاقة بيولوجية مباشرة بالنسب النبوي. لنطبق الآن نفس القاعدة، أي اعتماد المرأة في تحديد النسب، على أبناء إدريس الأول وكل حفدتهم المفترضين بالمغرب. فماذا ستكون النتيجة؟ سيكون كل هؤلاء "الشرفاء"، الذين يستمدون "شرفهم" من جدهم إدريس الأول، أمازيغيين لانحدارهم جميعا من امرأة أمازيغية هي كنزة الأوْربية زوجة إدريس الأول. فكما أن كل الذين ينحدرون من علي بن أبي طالب ينتسبون إلى الدم النبوي عبر فاطمة زوجة علي، فكذلك كل الذين ينحدرون من إدريس الأول ينتسبون إلى الدم الأمازيغي عبر زوجته كنزة الأمازيغية.
الأنساب "الشريفة" بالمغرب، التي هي في الحقيقة أنساب أمازيغية، والتي ملأت تاريخ المغرب بعد دخول الإسلام، مصدرها وسببها هو البحث عن سند خرافي لسلطة سياسية واقعية. وهذا ما عناه ابن خلدون بقوله إن «النسب أمر وهمي لا حقيقة له»، رغم أنه بنى نظريته في التاريخ على مفهوم العصبية. لهذا لا نجد انتشارا لثقافة "النسب الشريف" بالعربية السعودية، مثلا، التي من المفترض أن يكون حضور هذا "النسب الشريف" بها قويا أكثر من المغرب، نظرا للقرب الجغرافي والتاريخي والعرقي من نسب الرسول (صلعم) ومن الأرض التي انطلقت منها الدعوة النبوية.
"فالنسب الشريف" بالمغرب كان في الأصل، وقبل أن يصبح أداة نصْب ناجعة للحصول على امتيازات سياسية واجتماعية واقتصادية ورمزية ودينية، وسيلة يلجأ إليها الأجانب لإعطاء أنفسهم مشروعية عرقية كبديل عن المشروعية الترابية التي يفتقرون إليها، وذلك بهدف الوصول إلى السلطة والحكم وما يصاحبهما من امتيازات أخرى. وهذا ما جعل كل طامع في السلطة، وحتى من الأمازيغيين في ما بعد، ينتحل "نسبا شريفا" إلى أن أصبحت "أشجار النسب الشريف" تشكل، لكثرتها، "غابة" كثيفة بالمغرب. أما في العربية السعودية، فإن الحكام هم دائما من أبناء البلد الأصليين، الذين لا يحتاجون إلى "نسب شريف" يزكيهم ويمنحهم المشروعية، لأنهم يتوفرون أولا على المشروعية الترابية، وثانيا على العصبية القبلية التي تساندهم وتناصرهم. فـ"نسبهم الشريف" الحقيقي هو انتماؤهم الترابي ثم قوة ونفوذ القبيلة التي ينتسبون إليها.
هذا الاستعمال السياسي والنصْبي "للنسب الشريف" بالمغرب كانت له آثاره المدمرة على الهوية الأمازيغية للمغاربة. فلأن هذا "النسب الشريف" أصبح مصدرا للحظوة ولامتيازات عديدة، فمن الطبيعي أن يتكاثر مدعو "النسب الشريف"، الذين يعلنون أنهم من أصول عربية "شريفة" طمعا في تلك الحظوة وتلك الامتيازات، وهو ما ساهم في تنكر الكثير من المغاربة لانتمائهم الأمازيغي، وانتحالهم لانتماء عرقي عربي مزعوم، مقترفين بذلك ردّة هوياتية حقيقية، ومتعاطين لشذوذ جنسي آثم بتغيير جنسهم الأمازيغي إلى جنس آخر.
والمشكل في "النسب الشريف" ليس فقط أنه ميز عنصري صريح كما سبق أن شرحنا، بل المشكل أنه يعتبر بالمغرب من الثوابت والمقدسات التي لا يجب أن تمس، أو يشكك فيها أو تنتقد أسسها الخرافية. فكيف يعقل أن تتحول العنصرية إلى أحد الثوابت بالمغرب؟
مع أن هذا "النسب الشريف"، بمضمونه العرقي التمييزي، يحرّمه ميثاق الأمم المتحدة الذي كرر نصُّه أربع مرات عبارة: «بلا تمييز بسبب العرق أو الجنس (التمييز بين المرأة والرجل) أو اللغة أو الدين». كما أنه يتنافى مع المساواة التي نص عليها دستور فاتح يوليوز الذي جاء في تصديره أن المملكة المغربية تعمل على: «إرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم».
فأية مساواة هذه عندما يكون مواطن أشرف من مواطن آخر بسبب عرقه المفترض؟ والقانون المغربي، على غرار قوانين معظم الدول، يجرّم الميز العنصري ويعاقب عليه. ولهذا لا نعرف ولا نفهم كيف أن رابطات وجمعيات، هدفها المعلن في قوانينها الأساسية هو التعريف بخرافة "النسب الشريف" والحفاظ عليها والدفاع عنها والعمل على نشرها، أي التعريف بالميز العرقي والحفاظ عليه والدفاع عنه والعمل على نشره، لا نعرف ولا نفهم كيف منحتها السلطات وصلا قانونيا عن إيداع ملفاتها، خرقا للفصل الثالث من قانون تأسيس الجمعيات الذي ينص على أن «كل جمعية تؤسس لغاية أو لهدف غير مشروع يتنافى مع القوانين أو الآداب العامة أو قد تهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي أو تدعو إلى كافة أشكال التمييز تكون باطلة». مع العلم أن المفاضلة بين الناس على أساس العرق، كما في "النسب الشريف"، هو أسمى أشكال التمييز، كما سبق أن وضحنا.
والإسلام واضح في تحريمه للتفاخر بالأنساب والمفاضلة بين الناس على أساس أعراقهم كما في "النسب الشريف"، لأنه يعتبر ذلك سلوكا جاهليا كما تبرز الأحاديث التي سنذكرها بعد قليل.
فالقرآن الكريم يقول بصريح العبارة: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، ولم يقل "إن أكرمكم عند الله هو المنتسب لأصل عرقي متميز". وجاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل أن رسول الله (صلعم) قال: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى» (الحديث 23536).
فالتقوى، وليس العرق والنسب كما يدعي مهووسو "النسب الشريف"، هي أساس المفاضلة بين الناس. وفي "سنن أبي داود" أن الرسول (صلعم) قال: «ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية» (الحديث 5121). وقال في حديث آخر: «إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عُبِّيَّة (الكبْر والاستعلاء والتباهي) الجاهلية وفخرها بالآباء.
مؤمن تقي وفاجر شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب. ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن» ("سنن أبي داود"، الحديث 5116). وفي رواية الترمذي أن رسول الله (صلعم) قال: «لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرء بأنفه. إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية.إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي. الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب» ("سنن الترمذي"، الحديث 3955).
واضح من هذه الأحاديث أن مدعي "النسب الشريف"، المتفاخرين بدمائهم الزرقاء المزعومة، المشهرين لبطاقة "صفائهم العرقي" الخرافي، إنما هم فحم جهنم، وجعلان تقتات من الخرء والنتن كما وصفهم الرسول الأكرم (صلعم). ومع ذلك فهم ـ كما تفعل دائما العروبة العرقية ـ سادرون في التعلق بخرئهم الجاهلي وفحمهم الجهنمي اللذيْن حاربهما الإسلام. فعلى المسلمين الحقيقيين، الرافضين للجاهلية التي حاربها الإسلام، أن يرفضوا ويحاربوا عُبِّيَّتها التي لا زالت تُمارس باسم "النسب الشريف".

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
المـــــدون الحــــــــر © 2012| تعريب وتطوير : سما بلوجر