• المـــــدون الحــــــــر
Flag Counter

دفَاعًا عن عصـيد

الاثنين، 29 أبريل 2013
حملةٌ مسعورة تقَاد هذه الأيام للنيل من الأستاذ الكبير، أحمد عصيد، علَى خلفيَّة تنبيهه فِي الآونة الأخيرة إلى تناقض منظومتنَا التعليميَّة، التِي تدعُو إلى قيم التسامح حيناً، وتُوردُ نصوصاً تناقضُ دعوتهَا حيناً آخر. حيثُ ذهبَ مرتادُو مواقع التواصل الاجتماعِي، فِي أعقابِ التجييش السلفِي، إلى حد نظم قصائد فِي هجاءِ عصيد، فاقُوا بِهَا الحطيئَة، فمَاذَا دهَا القوم يا تُرى؟ وَهل أضحينَا نضيقُ ذرعًا بالكلمة حدَّ الانبراء إلى التهديد بالقتل والتخوين والتلويح بالمقاضاة لمجرد إيراد مثقف تأويلا لنص تاريخِي؟
الزوبعة التِي أعقبت تصريحات عصيد في الواقع، لا ترجعُ إلى الأسبوع الأخير أو الذِي قبله، وإنمَا إلى اللحظَة التِي انتهَى فيهَا سجالُ علماء الكلام في القرون الأولى للهجرة إلَى اضطهاد المعتزلة وإحراق كتبهم، بسبب الخلاف الذِي قام حولَ ترجيح كفتَي العقل أو النقل فِي تأويلِ النصِّ الدينِي، بين من يكتفونَ بظاهرِ النصِّ القرآنِي ومن ينفذُونَ إلى باطنهِ عبرَ إعمالِ العقل، سواء تعلقَ الأمرُ بصفات الله أو غيرها من الأمور.
وقد أدَّى إجهاض تلكَ الإشراقات النيرة للمعتزلة، التِي كانَ من الممكن أن تؤسس لفهم متنور للإسلام إلى الدخول في نفقٍ مظلم كانَ وبالاً علينا بالنماذج البئيسة التي تحدثنا في الدين يومنا هذا. دونَ إغفالِ حرقَ كتبِ ابن رشد، وقتل الحلاج، الذِي لم يتورع ابن تيميَّة عن تكفير كل من يشايعه.
إنهُ مسارٌ طويل إذن، أكبرُ مما نشرهُ سلفيون بالأمس على جدران الفيسبوك، وجلبة تَنبئُ بتطرف خطِير، قد يفتحُ الباب مستقبلاً أمام توظيف الدين لإخراس كلِّ الأصوات النيرة. فرغم أنَّ السياق التاريخِي مختلف، ومَا عادَ مقبولاً أن يقتل المرءُ أو يصلبَ لمجرد التعبير عن الرأي، إلَّا أنَّ بعض من يعيشون بيننا، وللأسف، يضمرون من التطرف ما يجعلُ البلاد أنهار دماءٍ إنْ هم مُكنوا من السلطَة والقرار.
مشكلة المتطرفين معَ عصيد، تكمنُ فِي أنَّ الرجل اختارَ بصفته مثقفاً ألَّا يظلَّ فِي برج عاجِي يلقِي منه بين الفينة والأخرى كتاباً حول الفكر الهلستِينِي ليناقش في الصالونات المخمليَّة، وآثرَ الانتصار للإنسان والمواثيق الدولية لاحترام حقوقه، كما وصلت إليها البشريَّة بعدَ عناءٍ طويل مع سفك الدماء والقتل باسم الدين طمعا في الجنة..فراحَ عصيد ينتقلُ في رحلات مكوكية من عاصمة إلى أخرى، ومن مدينة إلى أصغرِ بلدة فِي المغرب، يذودُ بمحاضراته وندواته ومقالاته الفكريَّة الغزيرة عن دولة المواطنَة، التِي لا سبيل إلى تغيير نحوَ الأفضل إلَّا عبرهَا، والتِي لا يعدو غيرها كونه إرهاباً وتطرفاً.
الأمور المذكورة تجعلُ الهجومَ على الأستاذ عصيد عارضاً طبيعيًا فِي مسارِ مثقفٍ اختارَ الكلمة الحرة، التِي لا تخشَى لومَ العوام، ولا تستكينُ إلى المداهنة، أو طمأنةٍ جسدِ العليل. فالرجل قالَ كلمته وسيقولهَا ما بقيَ متسعٌ فِي هذه البلاد للكلمة، وما دمنا تحت إمرة دولة، غير السعودية وأفغانستان والصومال.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
المـــــدون الحــــــــر © 2012| تعريب وتطوير : سما بلوجر